لطالما أسرت رغبة فهم الحياة خارج الأرض قلوب البشر لقرون. فمن الفلاسفة القدماء الذين تأملوا في وجود عوالم أخرى، إلى العلماء المعاصرين الذين استخدموا التكنولوجيا المتقدمة لاستكشاف الكون، يُعدّ البحث عن حياة خارج كوكب الأرض جانبًا أساسيًا من علم الفلك وعلم الأحياء الفلكي. في هذه المقالة، سنستكشف ما نعرفه حاليًا عن الحياة على الكواكب الأخرى، والمعايير التي تُحدد إمكانية سكنها، والبعثات الجارية التي قد تُجيب على أحد أقدم أسئلة البشرية: هل نحن وحدنا في الكون؟
الحياة كما نعرفها قائمة على الكربون، وتتطلب الماء وبيئة مستقرة وعناصر كيميائية متنوعة كالنيتروجين والفوسفور والكبريت. بالنسبة للعلماء، غالبًا ما يبدأ البحث عن حياة خارج كوكب الأرض بتحديد الكواكب التي تحتوي على هذه العناصر الأساسية. وقد وسّع اكتشاف الكواكب الخارجية - الكواكب خارج نظامنا الشمسي - آفاق احتمالات وجود الحياة.
لقد قام علماء الأحياء الفلكية بتطوير عدة معايير لتقييم قدرة الكوكب على دعم الحياة:
كان المريخ مرشحًا رئيسيًا في البحث عن حياة خارج كوكب الأرض. تشير الأدلة على مجاري الأنهار القديمة والمعادن التي تتشكل عادةً في الماء إلى احتمال وجود ماء سائل على سطحه في الماضي. تهدف مهمة مركبة "بيرسيفيرانس" الجوالة الأخيرة إلى جمع عينات من التربة قد تُقدم رؤىً أعمق حول إمكانية وجود حياة ميكروبية سابقة على المريخ.
يحتوي قمر المشتري، أوروبا، وقمر زحل، إنسيلادوس، على محيطات جوفية تحت قشرتهما الجليدية، مما يجعلهما هدفين مثيرين للاستكشاف البيولوجي الفلكي. يُظهر كلا القمرين نافورات تقذف بخار الماء، مما يشير إلى احتمال وجود حياة ميكروبية في محيطاتهما.
حدد تلسكوب كيبلر الفضائي آلاف الكواكب الخارجية، يقع العديد منها في المناطق الصالحة للحياة حول نجومها. وقد أثار اكتشاف كواكب بحجم الأرض، ذات ظروف مناسبة للحياة، حماسًا كبيرًا في الأوساط العلمية. ومن المتوقع أن يوفر تلسكوب جيمس ويب الفضائي، الذي أُطلق في ديسمبر 2021، رؤىً أعمق لأجواء هذه العوالم البعيدة، باحثًا عن بصمات حيوية قد تشير إلى وجود حياة.
لقد عزز التقدم التكنولوجي بشكل كبير قدرتنا على البحث عن حياة خارج كوكب الأرض. تتيح التلسكوبات المجهزة بتقنيات تصوير عالية الدقة وتحليل طيفي للعلماء تحليل الضوء القادم من الكواكب البعيدة، كاشفةً عن التركيب الكيميائي لأغلفتها الجوية. كما أصبحت البعثات الروبوتية ومركبات الهبوط المجهزة بأجهزة متطورة قادرة على إجراء تجارب على أجسام كوكبية أخرى، بحثًا عن علامات على وجود حياة.
على الرغم من اتساع الكون ومليارات النجوم التي يُحتمل أن تستضيف كواكب صالحة للسكن، لم نعثر بعد على دليل قاطع على وجود حياة خارج كوكب الأرض. غالبًا ما يُشار إلى هذه المعضلة باسم "مفارقة فيرمي": إذا كان الكون مُهيأً للحياة إلى هذه الدرجة، فأين الجميع؟ طُرحت نظريات مُختلفة، تتراوح بين فكرة أن الحياة الذكية نادرة للغاية، واحتمال أن الحضارات المُتقدمة تُدمر نفسها قبل تحقيق التواصل بين النجوم.
يُعد البحث عن حياة على كواكب أخرى مجالًا ديناميكيًا ومتطورًا يجمع بين عناصر علم الفلك وعلم الأحياء وعلم الكواكب. ومع تقدم التكنولوجيا وتعميق فهمنا للكون، قد نجد قريبًا إجابات على السؤال الجوهري: هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ وبينما لم نكتشف بعدُ أدلة قاطعة على وجود حياة خارج كوكب الأرض، فإن الاستكشاف المستمر لنظامنا الشمسي وما وراءه يفتح آفاقًا واعدة للمستقبل.
وبينما نستمر في استكشاف النجوم، فإن فضولنا يغذي البحث العلمي، مما يقربنا من فهم مكاننا في الكون وإمكانية وجود حياة خارج الأرض.